في الحقيقة، إن الفرق بين أولئك الذين فشلوا وأولئك الذين نجحوا يَكمُن في اختلاف عاداتهم).
أوج ماندينو.
هل فكرت مرة أن تنقص من وزنك الزائد، وبدأت بالفعل في حمية غذائية، ولكن ما لبث أن عدت مرة أخرى لالتهام قطع الشيكولاتة التي تحبها، أو تناول المشروبات الغازية التي تفضلها؟
هل فكرت مرة أن تكسر حاجز الخوف من مواجهة أحد أصدقائك ومصارحته بخطأ قد ارتكبته في حقه، أو تقصير قد اعترى علاقة الصداقة بينكما، وعندما وقفت أمامه تلعثم لسانك، وانعقدت الحروف على طرفه واكتفيت بالصمت؟
إن أغلب تلك المحاولات التي تبوء بالفشل وتسبب لصاحبها الكثير من الإحباطات، سببها الرئيس هو مجموعة من العادات السلبية التي تأصلت فيه ولا يستطيع فكاكًا منها.
ولذلك فنحن عندما نحاول أن نسير في طريق الفاعلية، وأن نقطع محطاته، فلن نغفل عن التزود بوقود الفاعلية الحقيقي، ألا وهو بناء العادات الإيجابية وكسر العادات السلبية؛ فالحكمة تقول: (اغرس فكرة احصد فعلاً، اغرس فعلاً احصد عادة، اغرس عادة احصد شخصية، اغرس شخصية احصد مصيرًا).
الطبع غلاب يا صاحبي:
(كان هناك ضفدع يقفز بين أوراق الأشجار الطافية بعد أن أغرق ماء النهر بفيضانه الأرض حوله، فلمح الضفدع عقربًا يقف حائرًا على أحد الصخور، والماء يحيط به من كل جانب.
قال العقرب للضفدع: يا صاحبي ألا تعمل معروفًا وتحملني على ظهرك لتعبر بي إلى اليابس فإني لا أجيد العوم، ابتسم الضفدع ساخرًا وقال: كيف أحملك على ظهري أيها العقرب وأنت من طبعك اللسع؟ قال العقرب في جدية: أنا ألسعك؟! كيف وأنت تحملني على ظهرك، فإذا قرصتك مت في حينك وغرقت وغرقت معك؟
تردد الضفدع قليلاً، وقال للعقرب: كلامك معقول ولكني أخاف أن تنسى، قال العقرب: كيف أنسى يا صديقي، إن كنت سأنسى المعروف، فهل أنسى أني معرض للموت؟ هل أُعرض نفسي للموت بسبب لسعة؟!
بدت القناعة على الضفدع؛ بسبب لهجة العقرب الصادقة، فاقترب منه، فقفز العقرب على ظهره وسار الضفدع في النهر يتبادل الحديث الهادئ مع العقرب الساكن على ظهره، وفي وسط النهر تحركت أطراف العقرب في قلق، وتوجس الضفدع شرًّا، فقال للعقرب في ريبة: ماذا بك يا صديقي؟ قال العقرب في تردد وقلق: لا أدري يا صديقي، شيء يتحرك في صدري.
زاد الضفدع من سرعته عومًا وقفزًا في الماء، وإذا به يستشعر لسعة قوية في ظهره، فتخور قواه بعد أن سرى سم العقرب في جسده، وبينما يبتلع الماء جسديهما نظر الضفدع إلى العقرب في أسى وهو يبتلع الماء ليغرق، فقال العقرب في حزن شديد قبل أن يبتلعه الماء: اعذرني، الطبع غلاب يا صاحبي).
فتأمل معي ـ عزيزي القارئ ـ كيف أن عادة سلبية اعتاد عليها ذلك العقرب السام كانت سببًا في هلاكه بالرغم من علمه بتوابع الاستمرار عليها، وحتمية التوقف عن فعلها حتى في هذا الوقت القصير.
وهذا ما نسميه بالعادة، وهي تلك السلوك المتكرر الذي يصدر من الشخص بصورة لا إرادية؛ نتيجة قناعة ترسخت في عقله اللاواعي عبر السنين.
مفهوم العادات:
لقد اختلف المختصون في مجال علم النفس في وضع تعريف واضح لمفهوم العادات، فيرى توني هوب أن (العادات عبارة عن أنظمة تلقائية للسلوك، والتي تتكرر بطريقة منتظمة بلا تفكير، وهي مقيدة في معظمها، وبدونها لن تكون قادرًا على أداء الأعمال بصورة تقترب من مثل هذا الاقتدار التي تتم به).
ويركز ستيفن كوفي في وصفه للعادات على تأثيرها الهائل فيقول: (العادات لها قوة جذب هائلة أكبر كثيرًا مما يتوقعه أو يقر به معظم الناس).
فالعادات إذًا مثل الرداء الذي يرتديه الإنسان، فكما أن الثياب تبين مظهرنا فتلك العادات تمثل شخصياتنا وسلوكنا، (وإن جميع عادتنا هي مكتسبة مثل الحال مع ثيابنا، فنحن لا نولد بأي منها، بل نتعلمها مثل ما نتعلم مواقفنا، وهي تتطور عبر الزمن وتتعزَّز عن طريق التكرار).
وتُشير الكثير من الإحصائيات أن العادات تُشكِّل أكثر من 95% من سلوكنا، الأمر الذي قد يندهش منه الكثيرون خاصة وقد ترسخ لديهم أنهم يولدون بعاداتهم، ولكن الحقيقة كما صاغها جون درايدن قبل ما يزيد عن ثلاثمائة سنة: (نحن نصنع عادتنا في البداية، ثم تصنعنا عادتنا).
الجراد النطاط:
ولكي تدرك أيها الحبيب كيف تكوَّنت عاداتك التي تعيش بها الآن اسمح لي أن أقص عليك قصة الجراد النطاط:
(في معهد الأبحاث الكندي بتورنتو، قام الباحثون بعمل بحث عن التعود، فوضعوا جرادتين من النوع النطاط، ويسمى النطاط؛ لأنه لا يمشـي لكي ينتقل من مكان لآخر، بل يقفز قفزات تصل أحيانًا إلى متر.
وضعوا هذا الجراد النطاط في زجاجة مملوءة بالماء لنصفها فقط، وأغلقوا الزجاجة بنوع من الفِل القوي؛ فطبعًا حاول الجراد أن يقفز لكي يخرج نفسه من الزجاجة حتى لا يموت غرقًا، ولكنه كلما حاول القفز ارتطم بقوة في الغطاء، فيحاول مرة أخرى حتى وصل به الأمر في النهاية إلى عدم المحاولة؛ لأنه لو حاول مرة أخرى سيتألم من الغطاء.
وهنا قام الباحثون بأخذ الغطاء وتركوا الزجاجة بدونه، فوجدوا أن الجراد لم يحاول أن يحرر نفسه؛ لأنه تعود على عدم المحاولة بسبب البرمجة التي تبرمج بها، واستقر في الماء حتى غرق ومات!
وكانت نتيجة البحث هو أن الجراد النشط الذي يقفز قفزات عالية لكي يتحرك من مكان لآخر فقد الأمل بعد عدة محاولات، وتبرمج بعادة جديدة جعلته لا يحاول القفز مرة أخرى لكي ينقذ نفسه، وذلك بسبب التكرار وتراكم الأحداث والنتائج التي كان يحصل عليها، والتي سببت له عادة "عدم المحاولة" بعد نزع الغطاء).
إذًا فالعادات تتكون حينما يقوم المرء بتكرار سلوك ما أكثر من مرة، ثم يرتبط هذا السلوك بأحاسيسه، فيستمر على هذا السلوك حتى يختزن في عقله اللاواعي كعادة وسجية يكرره بعد ذلك لا شعوريًّا.
معادلة العادات:
ولهذا فيمكننا أن نستنتج معادلة العادات، وهي كما يلي:
معرفة + مهارة + رغبة = عادة
ونعني بالمعرفة (فهم ما ينبغي عمله ولماذا ينبغي عمله، وأما المهارة فهي معرفة كيفية العمل، والرغبة هي الحماس للعمل لتكوين العادات، ومن ثم فإن خلق عادة ما تقتضي العمل في المجالات الثلاثة جميعًا).
والمعرفة هي الإدراك، أي أنك إذا أردت أن تغير عادة سلبية إلى عادة إيجابية فعليك أولاً أن تدرك وتقتنع بسلبية هذه العادة وبأن هناك عادة إيجابية أخرى يجب أن تحل مكانها، ثم تأتي بعد ذلك المهارة وهي التدريب على العادة الجديدة حتى تصبح عادة تلقائية لديك، والرغبة هي الوقود الذي يشعل حماستك لإتمام هذه العملية.
ليس مستحيلاً:
يعتقد الكثير من الناس أن أمر تعلم العادات الجديدة أو تحطيم العادات السيئة القديمة أمر صعب وشاق للغاية، وقد يصل في حس البعض إلى حد الاستحالة، ولكن استمع إلى الإمام الغزالي وهو يفند تلك المزاعم، ويدحض هذه الشبه الواهية.
يقول رحمه الله: (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسنوا أخلاقكم)، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق).
وحتى يتسنى لك تغيير عاداتك إلى الأفضل هناك أمور لابد من حسمها في البداية وهي:
1. القدرة ليست الإرادة.
2. وداعًا لليأس.
3. إدراكك هو قاطرتك.
وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل في مقال قادم إن شاء الله.
أهم المراجع:
1. الدروس الكبرى للحياة، هال إيربان.
2. العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي.
3. متعة النجاح، د.أكرم رضا.
4. إدارة العقل، د.توني هوب ود. جيلان بتلر.
5. قوة التفكير، إبراهيم الفقي.
6. إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي