(إن المتعة الحقيقية في الحياة هي أن تكرس جهودك من أجل تحقيق هدف تدرك أنه عظيم).
جورج برنارد شو.
من هو مايكل ديل؟ وكيف استطاع أن ينجح في تكوين شركة تعد اليوم من أقوى الشركات على مستوى العالم؟ وهل كان طريقه إلى هذا النجاح ممهدًا؟ أم أنه مر بمعوقات وعقبات؟
أسئلة لطالما كانت تقفز إلى ذهن كل واحد منا، حين نتحدث عن شخصية ناجحة أو مؤسسة متميزة، ونظل نبحث عن إجابات شافية لتلك الأسئلة.
قصة نجاح مايكل ديل، تبدأ منذ نعومة أظفاره، فحينما كان في الثالثة عشر من عمره، اتخذ من بيت والديه مقرًا لنشاط تبادل طوابع البريد عبر الطلبات البريدية، فحقق في بضعة شهور أرباحًا قاربت الألفي دولار.
وحينما بلغ من العمر خمسة عشر عامًا، قام الشاب الصغير بتفكيك حاسوبه الجديد (أبل2) إلى قطع صغيرة متناثرة، ثم أعاد تجميعه مرة أخرى؛ ليرى إن كان يستطيع ذلك، وبعدها بعام واحد، قام بيع اشتراكات الجرائد اعتمادًا على قوائم المتزوجين حديثًا، فحصد ربحًا فاق 18 ألف دولار، مكنه من شراء سيارته الأولي من نوع بي إم دبليو ((BMW وعمره 18 سنة فقط.
البداية من حجرة النوم:
في عام 1984م، التحق مايكل سول ديل بجامعة تكساس في مدينة أوستن الأمريكية، وانطلاقًا من غرفة نومه في مهجع طلاب جامعته، أسس شركته بي سيز (PCs) المحدودة لبيع أجهزة الكمبيوتر المتوافقة مع أجهزة آي بي إم(IBM) والتي كان يقوم بتجميعها بنفسه، وكان باكورة زبائنه زملاء الدراسة في الجامعة الحالمون بامتلاك حاسوب يناسب ميزانياتهم المحدودة.
المبدأ الذي اعتمد عليه مايكل ديل في بدايته أنه إذا باع مباشرة للجمهور، فسيعرف متطالباتهم ويكون قادرًا على تلبيتها بشكل سريع، وبذلك فإنه سيخرج الوسطاء من المعادلة، فهو وجد أن مكونات الحواسيب الجاهزة بالإمكان الحصول عليها وحدها بأسعار أقل، ومن ثم يقوم هو بتجميعها وحصد فرق السعر لنفسه، بنى مايكل فلسفته على تقديم خدمة أفضل للجمهور بسعر أقل، عند بدايته وضع مايكل ديل لنفسه هدفًا واضحًا: التفوق على شركة (IBM).
الانطلاقة الحقيقية:
في عام 1985م، تمكنت شركته من تقديم أول جهاز كمبيوتر شخصي من تصميمها سمته تيربو بي سي، وركز في دعاياته لهذا الجهاز الجديد على مبدأ البيع المباشر إلى الجمهور "دون وسطاء"، وعلى إمكانية تجميع الأجهزة وفقًا لما يريده كل مستخدم حسب مجموعة من الخيارات المتوفرة.
هذا العرض قدم للمستخدمين أسعار بيع أرخص من السوق، لكن مع مصداقية أكبر مما لو كان كل مستخدم قام بتجميع جهازه بنفسه، رغم أنها لم تكن الشركة الأولى في تطبيق هذه الفكرة التسويقية، لكن شركة بي سيز المحدودة كانت أول من نجح في تطبيقها.
ولكن جواهر لال نهرو تقول: (غالبًا ما يكون النجاح حليف هؤلاء الذين يعملون بجرأة)، وهذا ما أقم عليه مايكل ديل، فقد ترك دراسته الجامعية، ليركز على إدراة عمله الجديد بدوام كامل، إذ أن شركته حققت أرباحًا إجمالية فاقت مليون دولار أمريكي في سنتها الأولى، وفي عام 1987م افتتح مايكل فرع شركته في العاصمة الإنجليزية لندن، وبعدها بعام تقريبًا حوَّل مايكل اسم شركته إلى شركة حواسيب ديل.
الوصول إلى القمة:
"إن السعادة تكمن في متعة الإنجاز ونشوة المجهود المبدع" ـ روزفلت.
وفي عام 1992م، ضمت مجلة فورتشن الأمريكية شركة ديل إلى قائمتها لأكبر 500 شركة على مستوى العالم، وفي عام 1996م بدأت ديل بيع منتجاتها عبر موقع متجرها الإلكتروني على الشبكة البينية إنترنت.
بينما كان عام 1999م، عامًا استثنائيًا لشركة ديل، حيث استطاعت فيه أن تتخطى شركة منافستها كومباك في التصنيف لتصبح البائع الأكبر للحواسيب في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 2003م وافق مساهمو الشركة على تغيير اسمها إلى مؤسسة ديل "ديل إنكوربريشن" لتسهيل دخول الشركة في مجال بيع منتجات أخرى غير الحواسيب.
في شهر مارس من عام 2004 بدأت ديل دخول عالم الوسائط المتعددة بتعاملها في الكاميرات الرقمية ومختلف أنواع الحواسيب ومشغلات الوسائط المتعددة، وأجهزة التليفيزيون ذات الشاشات المسطحة وغيرها، وفي نفس الشهر أيضًا، تنحي مايكل ديل عن منصبه كمدير لشركته، واكتفى بعضوية مجلس الإدارة، مفسحًا الطريق لخيلفته كيفين رولنز لتولي هذا المنصب ومتابعة المسيرة.
وفي عام 2005 جاء ترتيب مايكل ديل رابع أغنى رجل في الولايات المتحدة الإمريكية، بثروة تقارب 18 مليار دولار، ما يجعل ترتيبه الثامن عشر كأغنى رجل في العالم.
لا زال مايكل يقطن في أوستن الإمريكية في ولاية تكساس مع زوجته سوزان وأولاده الأربع، وأما شركته التي بدأها فعوائدها الإجمالية تفوق 40 مليار دولار سنويًا، وتوظف أكثر من 40 ألف موظف، ولها فروع في أكثر من 170 بلدًا، وتبيع كل يوم منتجات بأكثرمن 30 مليون دولار، وتبيع حاسوبًا من إجمالي كل ثلاثة حواسيب مباعة في السوق الأمريكية، وقرابة واحدًا من كل خمسة مباعة في العالم، كل هذا في خلال 17 عامًا منذ تأسيسها.
عقبات على الطريق:
في يوم من الأيام، تمت دعوة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "وينستون تشرشل" لإلقاء خطبة في حفل تخرج في جامعة أوكسفورد، ارتقى وينستون المنصة ثم نظر إلى جمهوره وتوقف لبرهة ثم قال: (لا تيأس أبدًا أبدًا أبدًا أبدًَا)، ثم نزل عن المنصة.
ولعل مايكل ديل اتبع نفس سياسة تشرشل، فاستطاع أن يتجاوز تلك العقبات والمعوقات، التي اعترضت طريق الشركة من أجل الوصول إلى القمة؛ فلم تمضي مسيرة الشركة دون عقبات وأزمات.
ففي حقبة التسعينيات اشتعلت النار في بعض حواسيب ديل النقالة بسبب أعطال فنية، وفي عام 2001م، اضطرت الشركة لخفض العمالة لتتعافى من تراجع المبيعات، على أن أشهر زلة لسان لمايكل ديل حدثت في عام 1997م عندما سأله سائل في ملتقى فني ضم آلاف الحضور، ما الذي كان ليفعله ليعالج جميع أزمات شركة أبل التي كانت تعني من مشاكل طاحنة كادت تضع نهاية لها وقتها؟ فأجاب مايكل قائلًا: (كنت لأغلق الشركة وأعيد المال إلى المساهمين).
لم ينسَ مدير شركة أبل، ستيف جوبز، هذه المقولة، إذ قال في رسالة بريدية في شهر يناير من عام 2006م إلى موظفي الشركة أن على مايكل ديل أن يبتلع كلماته ويسحبها، فيومها فاق سعر أسهم شركة أبل الأسعار الخاصة بأسهم شركة ديل، وصارت مبيعات أبل وأرباحها أكبر من مبيعات شركة ديل، على أن مايكل ديل يبقى صاحب الكلمة الأخيرة.
عود على بدء:
وقد تم تكريم السيد ديل عدة مرات لقيادته المثالية والرائعة، ففي عام 2001م، اختارته مجلة «إنستتيوشنال إنفزيتور» كأفضل مدير تنفيذي في مجال أجهزة ومعدات الكمبيوتر، وعلى نفس المنوال نسجت مجلة «تشيف إكزيكيوتف»، لتختاره أيضًا كأفضل مدير تنفيذي للعام ذاته.
أما 2003م، فقد اختارته مجلة فورتشن كواحد من أكثر الناس تأثيرًا في عالم الأعمال، واختارته "فينانشال تايمز" كرابع أفضل قائد على مستوى العالم وأكثرهم احترامًا.
وفي خطوة مفاجئة، وبعد تنحيه عن قيادة شركة ديل عام 2004م، عاد مايكل ديل لقيادة شركته عام 2007م، تحت ضغط الخسائر الكبيرة التي ألمت بشركته، ويعمل ديل كمسؤول الإنترنت في المنتدى الاقتصادي العالمي، كما يعمل باللجنة التنفيذية للجنة الأعمال العالمية، وعضو بمجلس الأعمال الأمريكي، ويشغل أيضًا منصب رئيس مشروع سياسة أنظمة الكمبيوتر، ويعمل بمجلس المستشارين للرئيس الأمريكي للعلوم والتقنية.
وختامًا:
فإن مسيرة نجاح ذلك الرجل يمكننا أن نلخصها في قول رالف والد إيمرسن: (إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب)، فالعمل الجاد طريق النجاح، فمن الفشل يأتي النجاح، ولكن الفشل الذي لا يأتي بالنجاح هو أن تيأس وتستسلم للظروف، وحينما تكشر التحديات عن أنيابها، فلابد أن تكون مستعدًا لمواجهتها والتغلب عليها، فحتى تصل إلى كنزك عليك أن تدفع الثمن، وأن تخوض الطريق إلى آخره.
ولعل ما يلخص سر نجاح الشركة هو تلك الكلمات التي تعبر عن عظم المهمة التي أنشئت من أجلها، وعن مقدار الطموح الذي تمتلكه هذه الشركة، فالهدف الرئيسي الذي تسعى من أجل تحقيقه يتلخص في الجملة التالية وهي: (مهمتنا أن تصبح شركة ديل هي الشركة الأكثر نجاحًا على مستوى العالم كله، في مجال الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات).
أهم المراجع:
1. قصة نجاح، رؤف شبايك.
2. 2002 طريقة لتسعد نفسك، سيندي هاينز.
3. حتى لا تفشل، أحمد سالم بادويلان.
4. اضغط الزر وانطلق، روبين سبكيولاند.
5. أفضل ما قيل عن النجاح، كاثرين كارفيلاس.
http://www.islammemo.cc/fan-el-edara/Slook-Edary/2009/04/02/79852.html