رئاسته للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون العراقي.
بعدها انتقل الصحّاف للحقـل الدبلوماسي، بتعيينه سفيراً للعراق في بورما، ثـم السويد، فمندوباً في الأمم المتحدة.
في عام 1991م وبعد خروج الجيش العراقي من الكويت، وقيام ما سميت بـ "الانتفاضة الشعبانية" في المحافظات الجنوبية، وقيام مشعليها بتخريب واحتلال المنشئات العامة والعسكرية والحزبية، محاولين إسقاط نظام صدام حسين بتشجيعٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومستغلين الفوضى العارمة في البلاد، بدأ الأول في استخدام القوة لإخماد تلك "الانتفاضة"، وكون أغلب مدبريها من الطائفة الشيعية، بدأت الأنظار تتجه نحو الصحّاف كونه من أبناء تلك المدن والطائفة، متوجسةً من انشقاقه والانضمام إليهم، كنظرائه الوزراء والسفراء المنشقين. حاول الصحّاف إبعاد يده والملي بنفسه عن تلك الأزمة، معلناً ولائه لذاك النظام المتهاوي، ورفضه لتلك "الانتفاضة" الوليدة، واصفاً إياها بـ "صفحة الغـدر والخيانة".بعد كل تلك الانشقاقات والتصريحات ومظاهر التخريب، استطاع صدام حسين السيطرة على الوضع، وبدء حملة لإعادة ما دمرته قوات التحالف، فاستطاع إعادة بناء أغلب المنشئات الخدمية من محطات توليد الكهرباء، والجسور، والمدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمطارات في غضون ستين يوماً دون مساعدة خارجية بفضل عقول العراق وعباقرته الأفذاذ، بالرغم من ظروف الحصار القاسي، الذي حرم العراق من استيراد حتى أقلام الرصاص، وأعاد هيكلة مؤسسات الجمهورية، فكافئ الصحّاف عن دوره البارز في تلك الفترة بمنصب وزير الخارجية. حاول الصحّاف مع استلامه حقيبة الخارجية تبييض وتصحيح صورة بلاده أمام الرأي الدولي، ورخي حبل الخناق عنها، وقد لعب دوراً كبيراً في إصدار مشروع "النفـط مقابل الغـذاء".
عُـرف عنه حدية الطبع وسرعة الغضب، وكان الرجل الوحيد في النظام من الطائفة الشيعية، بعدما صفى صدام أغلب الوزراء من أبناء تلك الطائفة، وانشقاق بعضاً منهم. حيث ظل موالياً لصدام طوال الأزمات والمراحل التي مر بها العراق، وحظي بعلاقة طيبة معه منذ انضمامه لحزب البعث وحتى سقوط النظام. وقد جعلته خبرته السابقة في إدارة المؤسسات الإعلامية والدبلوماسية ضليعاً باللغة العربية، طليق اللسان، منتقياً ألفاظه بمهارة.
في عام 2001م وقبل وقتٍ قصير من انعقاد القمة العربية في القاهرة، تم نقل محمد سعيد الصحّاف من منصب وزير الخارجية ليستلم وزارة الإعلام، بعد سلسلة من الانتقادات وجهت له من داخل الدائرة السياسية العراقية، كان أبرزها:"انه يدلي بتصريحات تليق بوزير دفاع أو قائد شرطة لا بوزير خارجية، في حين إن العراق يمر بحالة من التهميش الدولي، وانه لم يكن بجودة سلفه طارق عزيز".
في عام 2003م أثناء بداية غزو العراق، حاول الصحّاف استغلال الاتهامات التي تسببت في نقله من وزارة الخارجية للإعلام، ليطلقها مدافعاً بها عن بلاده، مكتسباً شهره إعلامية شاسعة، مبرزاً قدراته ومهاراته وخبراته السابقة، حيث كان يظهر عاقداً المؤتمرات والاجتماعات الصحفية ببزته العسكرية، مبرزاً رتبته الوزارية، وظهرت قدراته في التكتيك الإعلامي الذي عرف باسم تكذيب الخصم بالحقائق، ونجح في هذا الأسلوب نجاحاً بارهاً، لفت إليه الجماهير العربية والسلطات السياسية في واشنطن، فما من ظهور إعلامي إلا ويحمل معه مفاجآت غير سارة للبيت الأبيض، ومفارقات تلهب حماس الشعوب العربية. أصبح الصحّاف بابتسامته اللامبالية وجهاً وصوتاً للتحدي العراقي، حيث أشتهر بسبه اللاذع لقوات التحالف التي كان يصفها بعبارات غامضة مأخوذة من التراث الإسلامي والعربي منها: العلـوج، السـم والعلـقم، المرتـزقة، الأوغـاد، الطراطير، وحثالة الشر.
حيث أفاد في مقابلة مع BBC أن للعلوج معانٍ كثيرة، لكنه كان يقصد بها الديدان النتنة التي تلتصق بالجسم وتقوم بمص الدماء، وأن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصف بها الفرس والروم، مقراً بأنه اكتسب هذه المعلومة من إحدى الحصص الدينية التي فرضها صدام حسين على جميع الوزراء والوكلاء والمسؤولين قبل الحرب. لُـقّب أثناء غزو العراق بـ "رجل الحرب الإعلامية"؛ لدوره البارز والرئيسي في سير مجريات تلك الحرب، ظل هذا الرجل الستينيّ وعديم الشارب واللحية متحدثاً رسمياً لذاك النظام طوال أيام الحرب، تراه مؤكداً ونافياً الأخبار، معللاً الأسباب، متوعداً الجيوش الغازية، مستغلاً طلاقته في التحدث بالإنجليزية ليوجه رسالة مباشرة إلى السلطات الغربية دون مترجم. في حين حاولت واشنطن إغرائه بالمال للانشقاق عن صدام والكف عن إطلاق تلك التصريحات النارية، واعدةً إياه بمنصب بعد "التحرير"، ليفضح تلك المحاولة في إحدى مؤتمراته.
بدأت جيوش التحالف اجتياح العراق من الحدود الجنوبية، سبقها قصف جوي عنيف، فبينما كان الجنود العراقيون يقارعون على أرض المعركة، ساندهم الصحّاف بشن معركة نفسية وإعلامية ضد السلطات الغربية، فنفى صحة الأنباء التي تحدثت عن سقوط مدينة أم قصر بسهولة، ونوه من قدرة القوات العراقية هزيمة "العلـوج والغـزاة الأشـرار".
ظل يعقد المؤتمرات ويصرّح من قدرة العراق على الصمود في وجه "المخبولين وعصابة الأوغاد الدولية". حيث قاتلت القوات العراقية بشراسة في البصرة بالرغم من القصف الجوي المتتالي، وأعلن من أن "الجرذان القـذرين" قد بدئوا في استخدام القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب "بعدما عرفوا قوة الجيش العراقي".
صار محمد سعيد الصحّاف رمزاً من رموز النضال والصمود العراقي، فبينما كانت قوات التحالف تقصف مبانٍ في بغداد، كان هو يعقد مؤتمراً صحفياً تلا من خلاله خسائر الجيش الأمريكي وعرض منشورات قامت قوات التحالف برميها بواسطة الطائرات تدعو العراقيين إلى الثوران على صدام ومساعدة قوات التحالف، ولم يردعه سقوط صاروخ فوق المبنى الذي كان يعقد فيه المؤتمر، بل ظل يشتم ويشبههم بـ "مغـول العصـر".
سقط الجزء الجنوبي للعراق بيد قوات التحالف بعد معارك طاحنة بين القوات العراقية وقوات التحالف خلفت قتلى وجرحى وأسرى بين الجانبين، بعد ذلك صرّح من أن "الأرعن الصغير" - قاصداً بوش- يسعى إلى تدمير العراق شعباً وأرضاً، وأنهم قصفوا عدداً من المطاحن ومخازن الغذاء بقصد تجويع الشعب العراقي. بالمقابل لم تخفي واشنطن امتعاضها من وزير الإعلام العراقي مهددةً بتصفيته.
استطاع الجيش العراقي تحقيق عدة انتصارات، حيث فاجئ ذلك الجيش البائس والمترهل من شدة العقوبات الدولية الجميع من تمكّنه من اسر مجموعة من الجنود الأمريكيين والبريطانيين، وقتل العديد منهم، ومن استطاعة فلاح عراقي إسقاط طائرة أمريكية ببندقيته الكلاشنكوف، حيث اتخذ الصحّاف هذا الفلاح رمزاً لقوة العراق وقدرته على إنزال الهزيمة بالجيش الأمريكي بالرغم ما لديه من أسلحة متطورة. فظهرت الأصوات الدولية المطالبة الجيش العراقي تطبيق معاهدة جنيف، بعد ما كان الجنود العراقيين المأسورين يظهرون على شاشات التلفاز وهم شبه عاريين، معصوبي الأعين، مقيدين الأيدي بطريقة مهينة من قبل قوات التحالف، ليظهر الصحّاف بعد ذلك متعهداً بتطبيقها، ومتسائلاً من عدم مطالبة الجيش الأمريكي تطبيق تلك المعاهدة.
تمكن الجيش الأمريكي دخول واحتلال مدينة الكوت بسهولة، لكن بعدها بساعات استطاع لواء خاص من الحرس الجمهوري العراقي تحرير المدينة، فنفى الأمريكيون ذلك، لكن الصحّاف ظل يؤكد الخبر وقال:"نحن نضربهم بقوة وبصورة رائعة وهو يقومون بخداع جماهيرهم"، لتثبت الأحداث إن الصحّاف كان صادقاً.
لم تجعل صور الجنود العراقيين وهم يستسلمون للقوات الأمريكية الصحّاف يتوقف عن التصريح، بل ظل يكيل الشتائم للجنود البريطانيين والأمريكيين ووصفهم بـ " قطعان الخراف المقدر لها أن تقتل في العـراق" و بـ "مصاصو الدماء والمستعمرون الخاسئون"، حيث اتهمهم بإخفاء العدد الحقيقي لأسراهم وقتلاهم من الجنود وخسائرهم، بقصد إضعاف الجيش العراقي نفسياً.واصلت قوات التحالف زحفها نحو بغداد، لكن محمد سعيد ظل ينفي أخباراً تسربت عن سقوط عدداً من المُدن العراقية، مشعلاً فوضى إعلامية ونفسية مع الغرب. في 3/4/2003م كلفه صدام حسين بتلي خطاب على وسائل الإعلام، أشاد فيه بالمقاومة في مدينة الكوت، وبقوات الحرس الجمهوري والمجاهدين العرب، داعياً إلى قتال القوات الغازية حتى لا تكون فتنة، ومتوعداً بسحقها.
تفاخر بالمظاهرات التي عمت أنحاء العالم الرافضة للحرب والمؤيدة لصمود العراق في وجه الغرب، واصفاً صدام حسين بـ " القائد العظيم"، وأشار من تمكّن مقاتلي حزب البعث والعشائر والمجاهدين العرب من إسقاط 3 طائرات من نوع بريدتور، ومن تدمير عدة آليات وعربات عسكرية أمريكية، وقتل 12 جندي بريطاني وأمريكي وأسر 15 منهم.